سورة يونس - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


يقول الحق جل جلاله: {ألا إن لله ما في السموات والأرض} خلقاً وملكاً وعبيداً، يتصرف فيهم تصرف المالك في ملكه، فلا يتطرقه ظلم ولا جور. ويحتمل أن يكون تقريراً لقدرته على الإثابة والعقاب، {أَلاَ إن وعد الله حقٌ} أي: ما وعد به من الثواب والعقاب، لا خلف فيه، {ولكن أكثرهم لا يعلمون} لقصور عقولهم، فلا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا، {هو يُحيي ويُميت} يحيي من يريد إظهاره للدنيا، ويميت من يريد نقله للآخرة، {وإليه تُرجعون} بالموت والنشور؛ لأن من قدر على الإيجاد والإعدام في الدنيا قدرعليها في العقبى؛ لأن القادر لذاته لا تزول قدرته، والمادة القابلة بالذات للحياة والموت قابلة لهما أبداً. اهـ. من البيضاوي.
الإشارة: ما وعد به الحق سبحانه القاصدين إليه من الوصول والمعرفة به حق، إن وفوا بشرطه، وهو صحبة من يوصل إليه، مع الصدق والتعظيم، وإخلاص القصد، هو يحيي قلوباً بمعرفته، ويميت قلوباً بالغفلة والجهل به، وإليه ترجعون، فيظهر العارف من الجاهل والذاكر من الغافل.


قلت: {بفضل الله} يتعلق بمحذوف، يفسره ما بعده، أي: ليفرحوا بفضل الله، أو بقوله: {فليفرحوا}. وكرر قوله: {فبذلك} تأكيداً والفاء بمعنى الشرط، كأنه قال: إن فرحوا بشيء فبهما فليفرحوا.
يقول الحق جل جلاله: {يا أيها الناسُ قد جاءتكم موعظة من ربكم} يعنى القرآن العظيم، {وشفاء لما في الصدور} من الشك والجهل، {وهُدىً ورحمةٌ للمؤمنين} هداية في بواطنهم بأنوار التحقيق، ورحمة في ظواهرهم بآداب التشريع.
قال البيضاوي: قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية، الكاشف عن محاسن الأعمال وقبائحها، والراغبة في المحاسن، والزاجرة عن القبائح، والحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد، وهدى إلى الحق واليقين، ورحمة للمؤمنين؛ حيث أنزلت عليهم فنجوا من ظلمات الضلال بنور الإيمان، وتبدلت مقاعدهم من طبقات النيران بمصاعد من درجات الجنان. والتنكير فيها للتعظيم. اهـ.
{قل بفضل الله وبرحمته} أي: بمطلق الفضل والرحمة، {فبذلك فليفْرَحُوا} لا بغيره، أو الفضل: الإسلام، والرحمة: القرآن. وقرأ يعقوب بتاء الخطاب، ورُوي مرفوعاً، ويؤيده قراءة من قرأ: {فافرحوا}، {هو خيرٌ مما يجمعون} من حطام الدنيا، فإنها إلى الزوال، وقرأ ابن عامر: {تجمعون} بالخطاب، على معنى: فبذلك فليفرح المؤمنون، فهو خير مما تجمعون أيها المخاطبون.
الإشارة: قد جعل الله في خواصِّ أوليائه موعظة للناس بما يسمعون منهم من التذكير والإرشاد وشفاء لما في الصدور، لما يسري منهم إلى القلوب من الإمداد، وما يكتسبه مَنْ صحبهم من أنوار التحقيق، وهدى إلى صريح العرفان وإشراق أنوار الإحسان، ورحمة بسكون القلوب والطمأنينة بذكر علام الغيوب، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا، ففضل الله: أنوار الإسلام والإيمان، ورحمته: أنوار الإحسان، أو فضل الله: أحكام الشريعة، ورحمته: الطريقة والحقيقة، أو فضل الله: حلاوة المعاملة، ورحمته: حلاوة المشاهدة، أو فضل الله: استقامة الظواهر، ورحمته: استقامة البواطن، أو فضل الله: محبته، ورحمته: معرفته. إلى غير ذلك مما لا ينحصر، ولم يقل: فبذلك فلتفرح يا محمد؛ لأن فرحه صلى الله عليه وسلم بالله، لا بشيءٍ دونه.


قلت: {ما أنزل}: نصب بأنزل أو بأرأيتم؛ لأنه بمعنى اخبروني.
يقول الحق جل جلاله: {قل أرأيتم}: أخبروني {ما أنزل الله لكم من رزقٍ} بقدرته، وإن سترها بالأسباب العادية، وقوله: {لكم} دل على أن المراد منه: ما حلّ، ولذلك وبَّخ على التبعيض بقوله: {فجعلتم منه حراماً وحلالاً} كالبحائر وأخواتها، {وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: 139].
{قل} لهم: {آللَّهُ أَذِنَ لكم} في التحريم والتحليل، فتقولون ذلك عنه، {أم على الله تفترون} في نسبة ذلك إليه؟. {وما ظنّ الذين يفترون على الله الكذبَ يوم القيامة}، أيُّ شيء ظنهم يفعل بهم، أيحسبون أنه لا يجازيهم عليه؟ وفيه تهديد عظيم لهم، {إن الله لذو فضل على الناس}، حيث أنعم عليهم بالعقل، وهداهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وشرع لهم الأحكام، {ولكن أكثرهم لا يشكرون} هذه النعمة.
قال ابن عطية: ثنَّى بإيجاب الفضل على الناس في الإمهال لهم مع الافتراء والعصيان، والإمهال داعية إلى التوبة والإنابة، ثم استدرك من لا يرى حق الإمهال ولا يشكره، ولا يبادر فيه على جهه الذم لهم، والآية بعد هذا تعم جميع فضل الله، وجميع تقصير الخلق في شكره، لا رب غيره. اهـ.
الإشارة: الوقوف مع حدود الشريعة، والتمسك بالسنة النبوية قولاً وفعلاً، وأخذاً وتركاً، والاهتداء بأنوار الطريقة تخلية وتجلية، هو السير إلى أسرار الحقيقة، فمن تخطى شيئاً من ذلك فقد حاد عن طريق السير. وبالله التوفيق.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12